من مبادئ الإسلام في رعاية حقوق الإنسان

مبادئ الإسلام المتعلقة بحقوق الإنسان لا تحكم فقط تعامل المسلمين فيما بينهم، ولا تعامل المسلمين فقط مع غيرهم من المسلمين، وليست لزمنٍ دون زمن، ولا لجيلٍ دون جيل؛ بل جاءت لتكون حاكمةً على تصرّفات كل البشرية والعالم فيما بينهم في سلمهم وفي حربهم، وفي كل العصور والأزمنة، وفي قيام الاتفاقيات والمعاهدات التي تُبرم بينهم انطلاقاً من عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} سورة الأنبياء الآيه 107 . فدعوة الإسلام جاءت مستهدفة جميع الناس على اختلاف أنواعهم وأعراقهم وألوانهم، وأقرّت لهم الحقوق كافة على حدٍّ سواء، فلا يتم التعامل مع أيٍّ من الناس باعتبار شكله أو لونه أو عرقه أو حسبه ونسبه. وتروي كتب السيرة النبوية الصحيحة كيف أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي ذرّ مناداته لبلال الحبشي رضي الله عنهما «بابن السوداء»، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي ذرّ: «إنك امرؤ فيك جاهلية».
كما أخرج البخاري ومسلم عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنهما قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: «أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟»، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ «أَلَيْسَ ذُو الحَجَّةِ؟»، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ «أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الحَرَامِ؟» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «اللهُمَّ اشْهَدْ»، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ، فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الغَائِب».
فهذا الحديث مبدأ من مبادئ الإسلام، وقاعدة من قواعده الثابتة الراسخة التي ترسم المعالم الواضحة لكل إنسان في تعامله مع أخيه الإنسان مهما كان جنسه ولونه وديانته، بحيث يكون التعاملُ تعاملاً يحفظ الحرمات، ويقدّر معنى الإنسانية، ويحترم الأموال والمقدّرات، حتى البهائم فلا يعتدي عليها سلباً أو اختلاساً أو تدميراً، ويحترم الأعراض فلا ينتهكها ولا يقع فيما يدنّسها وفيما يؤدي إلى اختلاط الأنساب وضياع الجنس البشري.
وفي قول ابن عباسٍ رضي الله عنهما: «إنها لوصيّته إلى أمته» دليلٌ واضح على شموليّة هذه المبادئ والقيم، وأنها ضروريةٌ لاستقامة حياة الناس وأمنهم على أنفسهم وأموالهم، وحين تُغيّب هذه المبادئ وتُضيّع، وحين يظهر في مجتمع الإنسانية الدولية من يغترّ بقوّته ولا يلتزم بمبدأ ولا يرعى حقّاً في كل تعاملاته ويرفع شعار العنصرية، ويستعبد لوناً بذاته من ألوان البشر ولا يراعي حقوق الأقلّيات فإنه ـ وإن كان على رأس المنادين بحقوق الإنسان ـ لا يعدو أن يكون معتدياً على حقوق الإنسان منتهكاً لها؛ فالأفعال والتصرفات تفضح الشعارات والادعاءات، ولا قيمة لنصوصٍ مكتوبةٍ في اتفاقيات ٍومعاهداتٍ إذا لم يتم تطبيقها في أرض الواقع كما يجب، ومحاسبة من يتجاوزها دون انحيازٍ أو محاباة، ونتيجةً لانتهاك مبادئ القانون الدولي الإنساني نرى في عالمنا اليوم صوراً مؤلمة من قهر الإنسان لأخيه الإنسان، والعدوانِ السافر عليه وسفكِ دمه ودماء أهله وقرابته، ومصادرةِ أمواله وممتلكاته وتشريدِه وذويه من أرضهم دون وجه حق بل بالظلم والجور، وكذا نقرأ ونسمع عن انتشار حوادث الاغتصاب وانتهاك الأعراض دون وازعٍ من دِينٍ أو ضمير، أو مانعٍ من حياءٍ، وهذا ولا شك يحوّل المجتمعَ البشري الإنساني إلى مجتمع الغابة الذي لا بقاء فيه إلا للأقوى.
وإذا كانت كثيرٌ من دول العالم تتنادى اليوم بضرورة تطبيق مبادئ واتفاقيات القانون الدولي الإنساني ومراجعة نصوص بعض هذه الاتفاقيات، فإنها مدعوّة لأن تُثبت للإسلام سبقه في تقرير أسمى المبادئ الإنسانية، وأن تستفيد منها في مساعيها وبرامجها، فهي كفيلةٌ بإذن الله تعالى ـ عند سلامة التطبيق ـ بحفظ كل الحقوق الإنسانية، واستقرار المجتمعات، واستتباب الأمن والسلم الدوليين.

 

 

يشارك